ما ان دخلت ساعات التهدئة، حتى بدأ الغزيون في لملمة شعث نفسهم، واستدراك ما مرّوا به خلال شهرٍ من العدوان، وبدأت قصص البطولات والصبر والتضحيات تظهر الى جانب قصص المعاناة.
ومن أبرز هذه القصص ما نشرته كتائب الشهيد عز الدين القسام، الحناج العسكري لحركة حماس على موقعها الالكتروني، وهي قصة 29 مقاوماً قاتلوا على الحدود الشرقية لخانيونس جنوب قطاع غزة في بدايات الحرب البرية ثم فقد الاتصال بهم، وبقوا محبوسين تحت الأرض لأسابيع.. وقدّر قادتهم أنّهم استشهدوا.. لكنّ قدر الله كان أن يخرج منهم يوم أمس 23 مقاوما أحياء.
تبدأ القصة من محور الاشتباك الملتهب جنوب قطاع غزة، في منطقة الغوافير شرق القرارة، ومع بداية المعركة البرية، حيث ترجّل تسعة وعشرون مقاوما من قوات النخبة القسامية عبر نفق أرضي إلى أرض المعركة والاشتباك المباشر.
أحد هؤلاء المقاومين يروي ما حدث، ويستذكر بطمأنينة مستحضرا لعناية الله ما حدث معه ومع إخوانه في هذه الأيام الطويلة تحت الأرض.
وسرد المقاوم ع.س تفاصيل القصة قائلا أنّ الأمر كان يسير وفق الخطّة المرسومة، مضيفا "حينما دخل العدو منطقة القرارة صاحب ذلك تفجير بعض عيون الأنفاق كما تم دكّ المنطقة بصواريخ الإف 16، ما أدى إلى إغلاق مخرج النفق - المحفور على عمق 25 متراً تحت الأرض- على المجاهدين في اليوم الثاني للعملية البرية وانقطع الاتصال بيننا وبين غرفة العمليات".
ويعلّق قائد المقاومين الميداني و.أ قائلا : "منذ انقطاع الاتصال معهم في ذلك اليوم اعتبرنا جميع هؤلاء المجاهدين في عداد المفقودين، ولم نعد نعرف ما يدور معهم بسبب سخونة الاشتباكات وتعدد محاور التماسّ مع العدو، وكان التقدير بأنّ ما لديهم من طعام وشراب وهواء لا يكفي كلّ هذه المدة وأنّ من المستحيل –في تقديرنا البشري- أن يكونوا في عداد الأحياء" .
ويستدرك القائد الميداني: " لكن وبعد وقف إطلاق النار قامت طواقم الإنقاذ والدفاع المدني بالحفر في منطقة النفق لانتشال المجاهدين منه، وكانت المفاجأة التي وقعت علينا وقع الصاعقة الممتزجة بالذهول والحمد والشكر لله، حيث تجلّت عظمة الله تعالى في خروج ثلاثة وعشرين مجاهداً من النفق، إذ كانوا أحياء وبصحة جيدة !" .
ولا زال البحث جارياً عن 3 مجاهدين مفقودين، بعد أن أقدم رابعهم - وهو المجاهد إياد الفرا- على عمل بطولي شاقّ، إذ حاول فتح مدخل للنفق لإنقاذ إخوانه، وبالفعل وصل إلى هدفه، وما أن وصل إلى نهاية عمله وكاد ينجح انهار النفق من هذه الجهة، مما أدى إلى استشهاده.
ويقول المجاهد العائد ر.س: "يسّر الله لنا في باطن الأرض ما يشبه نبع الماء حيث كنّا نضع قطعة من القماش من ثيابنا على الماء ثم نشرب ما تحمله هذه الثياب من ماء، وقمنا باقتسام ما لدينا من التمر طوال نحو شهر من الزمان، فكان نصيب كل واحد منا في اليوم نصف تمرة ونصف كوب صغير من الماء!".
مع العلم أنّ الماء في تلك المنطقة موجود على عمق 90 متراً من سطح الأرض، أي على عمق 65 متراً تحت المقاومين.
ويضيف المقاوم العائد ع.س: " كانت مهمتنا تتمثل في تنفيذ عمليات التفاف خلف القوات المتوغلة والتصدي لآليات وجنود الاحتلال بكل وسيلة، كما كانت مهمة جزء من المجاهدين من وحدة الأنفاق تجهيز الأنفاق والعيون وتهيئتها للاستخدام من قبل مقاتلي النخبة، وقد كان المجاهدون في حالة استنفار وأخذوا مواقعهم قبل بدء الحرب البرية".
ويضيف المجاهد: " مع بداية الحرب البرّية التحمنا مع قوات العدو ونفّذنا عدّة عمليات جريئة، كانت أولها عملية تفجير دبابة وجرافة من نقطة صفر، ثم توالت عملياتنا وتنوعت وتوزعت على المجاهدين كلّ حسب اختصاصه، بحسب الخطّة الموضوعة لنا من غرفة قيادة العمليات".
ويستذكر المجاهد إحدى أبرز عملياتهم، إذ خرج المجاهدان الشهيدان باسم الأغا وفادي أبو عودة، بعبوات الشواظ، وفجّرا هذه العبوات بعمليتين استشهاديتين في جرّافة ودبّابة من مسافة صفر، وأوقعا فيهما القتلى والإصابات.
وختم القائد الميداني هذه الشهادة بقوله: "في ذلك ما يثبت لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا أنه لو تخلى العالم كله عن شعبنا ومجاهدينا فإنّ الله تعالى معنا ولن يتخلى عنّا وسيمدنا بمدد من عنده".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق